فصل: التفسير الإشاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ}.
طهرنا قلوبهم من كل غش، واستخلصنا أسرارهم عن كل آفة. وطَهَّرَ قلوب العارفين من كل حظ وعلاقة، كما طهَّر قلوب الزاهدين عن كل رغبة ومُنْية، وطهَّر قلوب العابدين عن كل تهمة وشهوة، وطهَّر قلوب المحبين عن محبة كل مخلوق وعن غل الصدر- كل واحد على قدر رتبته.
ويقال لمَّا خَلَق الجنة وَكَلَ ترتبيها إلى رضوان، والعرش ولي حفظه إلى الجملة، والكعبة سلَم مفتاحها إلى بني شيبة، وأمَّا تطهير صدور المؤمنين فتولاّه بنفسه.
وقال: {وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ}.
ويقال إذا نزع الغل من الصدور مِنْ قِبَله فلا محلّ للغرم الذي لزمهم بسبب الخصوم حيث كان منه سبحانه وجه آدائه.
قوله جلّ ذكره: {وَقَالُوا الحَمْدُ للهِ الذي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالحَقِّ}.
في قولهم اعترافٌ منهم وإقرارٌ بأنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من جزيل تلك العطيات، وعظيم تلك الرتب والمقامات بجهدهم واستحقاق فعلهم، وإنما ذلك أجمع ابتداء فضل منه ولطف.
قوله جلّ ذكره: {وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
تسكينٌ لقلوبهم، وتطييبٌ لهم، وإلا فإذا رأوا تلك الدرجات علموا أن أعمالهم المشوبة بالتقصير لم توجب لهم كل تلك الدرجات. اهـ.

.قال صاحب روح البيان:

اعلم: أن الغل ظلمة الصفات البشرية وكدورتها وطهارة القلوب بنور الإيمان والأرواح بماء لعرفان والأسرار بشراب طهور تجلى صفات الجمال، وليس في صدور أهل الحقيقة من غل وغش أصلًا لا في الدنيا ولا في العقبى.
{لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا} جواب قسم مقدر أي والله لقد جاؤوا {بِالْحَقِّ} فالباء للتعدية، أو لقد جاؤوا ملتبسين بالحق فهي للملابسة يقوله: أهل الجنة حين رأوا ما وعدهم الرسل عيانًا واستقروا فيه إظهارًا لكمال نشاطهم وسرورهم.
قال الحدادي: شهادة منهم بتبليغ الرسل للحق إليهم، أي جاؤوا بالصدق فصدقناهم {وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ} يعني: أن الملائكة ينادونهم حين رأى المؤمنون الجنة من بعيد بأن يقولوا لهم: إن تلك التي رأيتموها هي الجنة التي وعدتهم بها في الدنيا فإن مفسرة أو مخففة وتلك مبتدأ أشير به إلى ما رأوه من بعيد والجنة خبره واللام فيها للعهد {أُورِثْتُمُوهَا} أي: أعطيتموها والجملة حال من الجنة.
{بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا من الأعمال الصالحة أي بسبب أعمالكم.
فإن قيل: هذه الآية تدل على أن العبد يدخل الجنة بعمله، وقد قال عليه السلام: «لن يدخل الجنة أحدكم بعمله وإنما تدخلونها برحمة الله تعالى وفضله» فما وجه التوفيق بينهما.
أجيب: بأن العمل لا يوجب دخول الجنة لذاته وإنما يوجبه من حيث أنه تعالى وعد للعاملين أن يتفضل بها بمحض رحمته وكمال فضله وإحسانه ولمّا كان الوعد بالتفضل في حق العاملين بمقابلة عملهم كان العمل بمنزلة السبب المؤدي إليها فلذلك قيل أورثتموها بأعمالكم كذا في حواشي ابن الشيخ وفي الخبر إنه يقال لهم يوم القيامة «جوزوا الصراط بعفوي وادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم»، وهي جنة الأعمال وهي التي ينزل الناس فيها بأعمالهم فمن كان أفضل من غيره في وجوه التفاضل كان له من الجنة أكثر سواء كان الفاضل بهذه الحالة دون المفضول، أو لم يكن فما من عمل إلا وله جنة يقع التفاضل فيها بين أصحابها ورد في الحديث الصحيح عن النبي عليه السلام أنه قال لبلال يا بلال: «بِمَ سبقتني إلى الجنة؟ فما وطئت منها موضعًا إلا سمعت خشخشتك» فقال يا رسول الله: ما أحدثت قط إلا توضأت وما توضأت إلا صليت ركعتين فقال عليه السلام: «بهما» فعلمنا أنها كانت مخصوصة بهذا العمل فما من فريضة ولا نافلة ولا فعل خير ولا ترك محرم ومكروه إلا وله جنة مخصوصة ونعيم خاص يناله من دخلها.
والتفاضل على مراتب: فمنها بالسنّ: ولكن في الطاعة والإسلام فيفضل الكبير السنّ على الصغير السنّ إذا كانا على مرتبة واحدة من العمل، ومنها بالزمان فإن العمل في رمضان وفي يوم الجمعة وفي ليلة القدر وفي عشر ذي الحجة وفي عاشوراء أعظم من سائر الزمان، ومنها بالمكان: فالصلاة في المسجد الحرام أفضل منها في مسجد المدينة وهي من الصلاة في المسجد الأقصى وهي منها في سائر المساجد، ومنهما بالأحوال: فإن الصلاة بالجماعة أفضل من صلاة الشخص وحده، ومنها بنفس الأعمال: فإن الصلاة أفضل من إماطة الأذى ومنها في العمل الواحد فالمتصدق على رحمه صاحب صلة رحم وصدقة، وكذا من أهدى هدية لشريف من أهل البيت أفضل ممن أهدى لغيره أو أحسن إليه، ومن الناس من يجمع في الزمن الواحد أعمالًا كثيرة فيصرف سمعه وبصره ويده فيما يبتغي في زمان صومه وصدقته بل في زمان صلاته في زمان ذكره في زمان نيته من فعل وترك فيؤجر في الزمن الواحد من وجوه كثيرة فيفضل غيره ممن ليس له ذلك.
ومن الجنات جنة اختصاص إلهي: وهي التي يدخلها الأطفال الذين لم يبلغوا حد العمل وحدّه من أول ما يولد، أي: يستهل صارخًا إلى انقضاء ستة أعوام ويعطي الله من شاء من عباده من جنات الاختصاص ما شاء، ومن أهلها المجانين الذين ما عقلوا، ومن أهلها أهل التوحيد العلمي، ومن أهلها أهل الفترات ومن لم يصل إليهم دعوة رسول.
ومن الجنات جنة ميراث: ينالها كل من دخل الجنة ممن ذكرنا ومن المؤمنين وهي الأماكن التي كانت معينة لأهل النار لو دخلوها وفي الحديث: «كل من أهل النار يرى منزله في الجنة، فيقولون لو هدانا الله، فيكون عليهم حسرة، وكل من أهل الجنة يرى منزله في النار، فيقولون لولا أن الله هدانا». اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {يا بني آدم أما يأتينكم رسل} الهامات من أنفسكم من طريق قلوبكم وأسراركم وفيه أن بين آدم كلهم مستعدون لإشارات الحق وإلهاماته. {افترى على الله كذبًا} بأن يقول أكرمني الله بالكرامات والمقامات ولم يعط {أو كذب} بمقامات أعطاها بعض أوليائه {أولئك ينالهم نصيبهم} من الشقاء الذي كتب لهم {حتى إذا جاءتهم} رسل الإلهامات الإلهية والواردات الربانية بعد أن كان هائمًا في تيه البشرية {يتوفونهم} بجذبات الألطاف الإلهية عن الأوصاف البشرية {قالوا أينما كنتم تدعون من دون الله} من الدنيا وشهواتها {وشهدوا} هؤلاء المجرمون المحرومون {أنهم كانوا كافرين} ساترين الحق بالباطل فهداهم الله تعالى. ثم قال لأهل الخذلان {ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار} وقدم الجن لأن الله تعالى خلق أولًا بني الجان منهم مؤمن ومنهم كافر، فلما استولى أهل الكفر منهم بعث إليهم جندًا من الملائكة- وقيل رئيسهم إبليس- فاستأصلوهم ثم خلق آدم وذريته منهم مؤمن ومنهم كافر.
{كلما دخلت أمة} في أعمال أهل النار {لعنت أختها} المتقدمة في تلك الأعمال لأنهم سنوها {حتى إذا} تدارك الكل في الأعمال الموجبة للنار. {عذابًا} {ضعفًا} لأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها {لكل ضعف} لأن المتأخر أيضًا متقدم الذي يتلوه ويستن بسنته {ولكن لا تعلمون} أنكم متقدمون لمتأخريكم فما كان لكم علينا من فضل لأنكم سننتم لمتأخريكم كما سننا لكم {لا تفتح لهم أبواب} سماء القلوب إلى الحضرة {ولا يدخلون} جنة القربة والوصلة حتى يدخل جمل النفس المتكبرة في سم خياط أحكام الشريعة وآداب الطريقة، وحتى تصير بالتربية في إزالة الصفات الذميمة وقطع تعلقات ما سوى الله أدق من الشعرة بألف مرة فيلج في سم خياط الفناء فيدخل جنة البقاء {وكذلك نجزي المجرمين} الذين صارت أنفسهم في حمل الأوزار كالجمل {لهم من جهنم} المجاهدة والرياضة فراش ومن فوقهم من مخالفات النفس قمع الهوى لحاف فتذهبهم وتحرق أنانيتهم. {لا نكلف نفسًا إلا وسعها} فيرفع عن ظاهرهم وباطنهم كلفة الإيمان والعمل حتى تسير عليهم العبودية بحسن التوفيق. اهـ.

.تفسير الآية رقم (44):

قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما استقرت بهم الدار، ونودوا بدوام الاستقرار، أخبر سبحانه أنهم أقبلوا متبججين على أهل النار شامتين بهم في إحلالهم دار البوار تلذيذًا لأنفسهم بالنعيم وتكديرًا على الأشقياء في قوله: {ونادى أصحاب الجنة} أي بعد دخول كل من الفريقين إلى داره {أصحاب النار} يخبرونهم بما أسبغ عليهم من النعم، ويقررونهم بما كانوا يتوعدونهم به من حلول النقم؛ ثم فسر ما وقع له النداء بقوله: {أن} أو هي مخففة من الثقيلة، وذكر حرف التوقع لأنه محله فقال: {قد وجدنا} أي بالعيان كما كنا واجدين له بالإيمان {ما وعدنا ربنا} أي المحسن إلينا في الدارين من الثواب {حقًا} أي وجدنا جميع ما وعدنا ربنا لنا ولغيرنا حقًا كما كنا نعتقد {فهل وجدتم} أي كذلك {ما وعد} وأثبت المفعول الأول تلذيذًا، وحذفه هنا احتقارًا للمخاطبين، وليشمل ما للفريقين فيكون وجد بمعنى العلم وبمعنى اللقى، وفي التعبير بالوعد دون الوعيد مع ذلك تهكم بهم {ربكم} أي الذي أحسن إليكم فقابلتم إحسانه بالكفران من العقاب {حقًا} لكونكم وجدتم ما توعدكم به ربكم حقًا {قالوا نعم} أي قد وجدنا ذلك كله حقًا؛ قال سيبويه: نعم عِدَة، أي في جواب: أتعطيني كذا، وتصديق في مثل قد كان كذا، والآية من الاحتباك: أثبت المفعول الثاني أولًا دليلًا على حذف مثله ثانيًا، وحذفه ثانيًا دليلًا على إثبات مثله أولًا- والله أعلم.
ولما حبوا من النعم بما تقدم، وكان منه الجار الحسن، وكان العيش مع ذلك لا يهنأ إلا بإبعاد جار السوء، أخبروا ببعده وزيدوا سرورًا بإهانته في قوله: {فأذن} أي بسبب ما أقر به أهل النار على انفسهم {مؤذن بينهم} أي بين الفريقين {أن} مخففه أو مفسرة في قراءة نافع وأبي عمرو وعاصم، وشددها الباقون ونصبوا {لعنة الله} أي طرد الملك الأعظم وإبعاده على وجه الغضب {على الظالمين} أي الذين كانوا مع البيان الواضح يضعون الأشياء في غير مواضعها كحال من لم ير نورًا أصلًا. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما شرح وعيد الكفار وثواب أهل الإيمان والطاعات أتبعه بذكر المناظرات التي تدور بين الفريقين وهي الأحوال التي ذكرها في هذه الآية. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{نعم} بكسر العين حيث كان: علي. الباقون بالفتح {مؤذن} بغير همز: النجاري عن روش ويزيد والشموني وحمزة في الوقف. {أن} مخففة {لعنة الله} بالرفع: عاصم وأبو عمرو وأبو جعفر ونافع وسهل ويعقوب وابن مجاهد وأبو عون عن قنبل. الباقون: مشددة وبالنصب.

.الوقوف:

{حقًا} ج لانتهاء الاستفهام. {نعم} ج للعطف مع الابتداء بالتأذين. {على الظالمين} o لا لأن الذين صفتهم {عوجًا} ج لاحتمال الواو الاستئناف أو الحال {كافرون} o لأن ما بعده لم يدخل في التأذين ولم يجزأن يكون حالًا {حجاب} ج لتناهي حال الفئتين واتفاق الجملتين {بسيماهم} ط {يطمعون} o {أصحاب النار} لا لأن ما بعده جواب إذًا {الظالمين} o {تستكبرون} o {برحمة} ط لتناهي الاستفهام والأقسام {تحزنون} o {رزقكم الله} ط {الكافرين} o {الحياة الدنيا} ج للابتداء مع فاء التعقيب {هذا} لا وما مصدرية كما في {كما نسوا} والتقدير ننساهم كنسيانهم وجحودهم {يجحدون} o {يؤمنون} o {إلا تأويله} ط {بالحق} ج لابتداء الاستفهام مع الفاء للتعقيب {كنا نعمل} ط {يفترون} o. اهـ.